شددت الرحال إلى قريتى الحبيبة سندبسط مركز زفتى غربية لتقديم العزاء لأولاد خالى فى وفاة شقيقتهم التى انتقلت إلى رحاب الله، بعد أن عانت من المرض اللعين الذى داهمها فجأة ولم يكتشف إلا بعد أن تمكن منها....استخدمت لأول مرة طريق القاهرة- بنها السريع ولاحظت اتصاله بالطريق الدائري الاقليمى....الطريق أكثر من رائع ويجب توجيه التحية لكل من ساهم فى إنشائه....انتقلنا من الطريق السريع إلى الطريق الزراعى القديم الذى سرعان ما نقلنا إلى الطريق الفرعى الرابط بين بنها وزفتى والمسمى طريق ميت بره.. الطريق مزدوج ويعج بكل أنواع المركبات.. سيارات نقل ثقيل بمقطورات.. جرارات زراعية.. عربات كارو تجرها خيول.. دراجات نارية لنقل الركاب.. تكاتك (جمع توك توك) إضافة إلى السيارات الملاكي.
على يمين الطريق ترعة اختفت أو كادت مياهها.. مئات المطبات العشوائية التى تتحول إلى كمائن للسيارات.. لمست أشغال لتوسيع الطريق وتحسينه فى بعض الأماكن، ولاحظت تواجد رجال الشرطة فى النقطة الفاصلة بين القليوبية والغربية.
قطعنا المسافة بين بنها وزفتى فى زمن أطول بكثير من المسافة بين القاهرة وبنها. بحمد الله وصلنا إلى سندبسط الحبيبة. أول ما لفت نظرى امتداد المنازل حتى خط السكة الحديد ولم أستطع رؤية محطة القطار (منصور باشا) وامتداد المساكن حتى المقابر والتى كانت فى وقت من الأوقات فى ضواحي القرية.
مررنا على أطلال منزل العائلة وجدنا رحمة الله عليه على جسر النيل، فوجئت بأن النيل اختفى من كثرة البيوت التى شيدت على طرح النهر، بصعوبة بالغة لمحت النيل وهالنى كم ورد النيل التى تغطى نصفه تقريبا، لم أر مركبا شراعيا واحدا من تلك التى كانت تجوب النيل وتنقل من يريد بين سندبسط وميت غمر، لم أر الصنادل التى كانت تنقل البضائع فى النيل.. اختفت اراضى الجزيرة تماما والتى كانت من أجود الأراضى الزراعية في العالم وتحولت إلى غابات اسمنتية عشوائية المبانى والألوان، لم ألاحظ فلاحا واحدا وهو عائد من الحقل مع ماشيته، رائحة القرية المميزة التى كانت ناتجة عن الأفران الطينية فى البيوت التى تطهو الخبز وتشوى الذرة والبطاطا وما تيسر من صوانى البطاطس والمسقعة اختفت تماما مع اختفاء افران البيوت.
انتقلنا إلى الجسر الواصل بين سندبسط وزفتى مرورا بكفر عنان، لاحظت امتداد المساكن على جانبى الجسر ولاحظت اجتثاث الجميزة العملاقة(جميزة الليثى)والتى طالما تسلقناها واكلنا من ثمارها.. ولاحظت اختفاء مقام الشيخ يوسف واختفاء وابور الطحين، واختفاء عربات الحنطور التى كانت تتمخطر على الجسر بين زفتى وسندبسط... الجسر أصبح يعج بعشرات وربما مئات التكاتك والجرارات التى ابتكرتها العقول والايادى المصرية والتى كانت فى الاصل مجرد مواتير مياه.
لم أستطع منع نفسى من السفر عبر الزمن لأعود بطريقة الفلاش باك، رأيت سندبسط عندما كان اللون الأخضر هو الغالب عليها وعندما كانت أرضها تخرج بإذن ربها القطن طويل التيلة واجود أنواع القمح واشهى أنواع الخضروات والفواكه، رأيت بيت جدي يعج بالحياة وتخيلت نفسى فى التراس والنيل امامى ومنازل ميت غمر امامى والاراضى الخضراء على امتداد البصر، ورأيتنى اجلس على رأس الغيط مع خالى حلمى رحمه الله وهو يحتفى بنا باكواب الشاى والذرة المشوي، رأيت النيل رائع الجمال، أفقت من الفلاش باك لاكتشف أن سندبسط لم تعد قرية كما أنها ليست مدينة.. ولم تعد زراعية بامتياز، بعد أن تبخرت معظم الأراضى الزراعية.. سندبسط مثل غالبية قرى مصر فقدت الكثير من بكارتها وأريجها ومميزاتها.
الحقيقة المؤكدة انه مهما تغيرت سندبسط ستظل فى القلب فهى ملاعب الصبا وثراها الحر تراب أبى وأجدادي، ومهما بعدنا عنها سنعود إليها يوما، لننعم بجوار الأحباب الذين سبقونا إلى دار الحق.
--------------------
بقلم: عبدالغنى عجاج